في ذلك اليوم ... حمل الأب حقيبة السفر... ودع زوجته ... وطفلته التي لم تتجاوز ال10 سنوات ... لتكون تلك الساعات بداية لرحلة الأحزان ... في سفينة الأقدار ... في هذه الدنيا المتلاطمة الأمواج ...
... تبكي الأم ... يحبس الأب دموعه ... أما الطفلة فقد كانت أكبر من عمرها بكثير ... لأن حياتها المليئة بالأحداث جعلتها تكبر قبل أوانها ...
... ماذا عنكِ يا طفلتي تدفنين رأسكِ تحت وسادتك لكي لا يسمع أحد صوت بكائكِ ... أو يرى دموعكِ الزكية وهي تتقاطر من عينيكِ ... يالِ هذا الزمان ... الذي لا يرحم ... تغربتِ وأنتي في وطنكِ ... ولكنكِ كنتِ لا تعلمين أن ما هو آت أقسى بكثير مما فات ... وان الحياة تجني لكِ المصاعب والآلام ...
ومرت السنة ثقيلة ... ثقيلة ... وأنتي تحلمين بلقاء والدكِ ...
ولكن ...
كان لابد لكِ أن تدفعي ثمناً غالياً ... إذ لا بد من ترك الوطن ...
هذا هو الثمن ... ويا له من ثمن ....
وتحين ساعة الرحيل عن الأرض الحبيبة ... عن الوطن الغالي ... الذي لا يعرف إلا الأحزان ...
هل كتب عليك الشقاء يا وطني ... ؟؟؟؟
وتكالب الأعداء والطغاة عليك !!!!
والآن ... يتركك أهلك ... ويرحلون عن أرضك ... لا لقلة الخيرات فيك فهي قد ملأت السهل والجبل ... بل يتركوك لكثرة المظالم والظلم فيك ...
وانتي ياصغيرتي ... أرقبكِ منذ فترة وانتي لا تبالين بشيء من حولك ...
ولكن ماذا حدث الآن ؟؟؟
أرى أنفاسكِ تتلاحق ... وقلبكِ ينبض بشدة ...ودموعكِ تنهمر!!!
وهذه المرة يراكِ كل الناس ... وأنتي تبكين بمرارة لم يتعودوها منكي ...
والبعض منهم يتساءل عن السبب الذي أبكاكي ؟؟؟
ترى أهي مريضة ؟؟؟
أهي جائعة ؟؟؟
أهي معاقبة على ذنب إرتكبته ؟؟؟
ولا يخطر ببال أحدهم أنها تبكي أرضا ووطنا ... تبكي جرحا ونغما ... تبكي سيفا وقلما ... تبكي قلبا وحلما ... فما أصعب فراق الوطن .....
فاذا لو كان هذا الوطن هو أرض الخيرات ... وماذا لو كان مرتعا للأحلام ... ودربا للحب والحياة ...
ها أنتي يا صغيرتي ... رحلتي اليوم ... وتركتي الدار ومن يسكنها ... لا بإرادتك ! بل رغما عنكي ...
وها أنتي ياصغيرتي قد كبرتي في الغربة ... وكبرت معكي أحزانكي ... وكبرت معكي آهاتكي المكتومة ... وجراحكي المكلومة ...
نعم ... فقد عرفتي أناسا آخرين ... ولكن من يعوضكي عن اهل تغربتي عنهم ؟؟؟
ومن يعيد إليكي لحظات عمركي التي عشتيها بعيدا عن وطنك ؟؟؟
وتمضي الأيام والسنون ... وحلمكي يكبر معكي بأن تعودي إلى أرض عشقتيها ... وقد زال عنها الظلم والطغيان ...
ألا ليت شعري ... هل سترين ذلك اليوم ... أم أنه سيكون وسيبقى في الخيال ... ويكبر كلما كبرتي
ومع كل ذلك فيا أميرتي الصغيرة ... عليكي أن تعلمي بان حظكي أفضل بكثير من كثير من الأطفال الجياع ... أو التائهين بعد موت الأباء .... أو المشردين في الشوارع في ظل شتاءٍ لا يرحم ... أو المرضى الذين لا يجدون الدواء ...
أهكذا هو حال اطفالك يا وطني ؟؟؟
أهكذا حال أحباب الله ؟؟؟
أهكذا حال ملائكة الأرض في وطن الحب والخير والبركة ؟؟؟
ألا لعنة الله على الظالمين ....... ألا لعنة الله على الظالمين .......
الثلاثاء مارس 24, 2009 6:37 am